كل شيءٍ أخذ بالنشوء والنمو في هذه الديار إلا جرائد الولايات العربية الرسمية فإنها كلما طال عليها الزمن تنحط مكانتها لأنها كانت ولا تزال تقدس أعمال الولاة وتزكيهم إلا قليلاً وجرائدٌ هذا حالها كيف يرضيك خبرها ومخبرها.
للحكومة العثمانية اليوم أو لواء
عربية تصدر فيها
إن هذه الدركة من الانحطاط بلغت لغة الجرائد بفسادها ولو كانت منتشرة بين طبقات القوم انتشار سائر الجرائد العربية لأفسدت من ملكة الأدب العربي فساداً لا يشبهه فساد ولكن من حسن الطالع أن قراءها محصورون أو يكادون يعدون على الأصابع وأقدمها أنشئ منذ
وقال: إن التشتت والافتراق هما يسببان ويحدثان الغوائل والمشكلات الداخلية ويؤديان إلى انقراض الهيئة المعظمة واضمحلالها كما تشهد بها مثالها التاريخية ولا يحصل لها السلامة والسعادة والترقي والتعالي إلا باتحاد قلوبهم واتجاههم جميعاً نحو غاية واحدة فنظراً لهذه الحقائق رئت نواب الملة تشكيل الجمعيات المبنية على أساس القومية والجنسية والمعنونة بها ملة بالوحدة العثمانية ففي هذه الجملة من الركاكة والألفاظ المبذولة الزائدة الدخيلة ما تراه. فأي داعٍ أولاً لتكرار لفظي التشتت والافتراق والغوائل والمشكلات وفعلي يسببان ويحدثان وانقراض واضمحلال وكلها بمعنى و
ومن سخيف اللفظ الممنوعية فإن المنع عربي في الأصل ولكن هذه الصيغة لم تعهد للعرب ولا لمن بعدهم وإنما جاءتنا في القرون المتأخرة ومثلها الممنونية ولا يقال أنا ممنون منك فالممنون المتطوع بل ممتن لك كما لا يقال المحظوظية والمسرورية والأمنية بمعنى الأمن والمقطوعية والمعلومية والمأذونية والمفهومية والانتقالية والفراغية وكل هذه الصيغ لا تجوز في لغة العرب دخلت عليها من التركية فاللحن كما قال عبد اللطيف البغدادي يتولد في الأمم والنواحي بحسب العادات والسير.
ومادام في العربية متسع عن هذه الألفاظ فالأحسن نبذها وكذلك يقال في التنسيقات والمأموريات فقد خطأوا من قال من المتكلمين هذه المحسوسات وقالوا صوابها المحسات لأنه يقالا أحسست الشيء بمعنى أدركته فأما المحسوس فهو المقتول من حسه إذا قتله
وتقول: ينبغي إجراء التعقيبات المتمادية بوساطة مأمورين البلدية تحت نظارة الأطباء في المواقع المحررة آنفاً وتجري الفيران الميتة وألقاهن في الماء المغلي وإمساكهن بمللقاط
هذه الجملة وحدها كانت تكفي للدلالة على ما في هذه الجريدة من منافيات البيان والقواعد المألوفة لصغار الطلبة دع عنك كبارهم. فمن الأغلاط اللغوية التي فيها التعقيبات والتوضيحات والأجورات ووقوعات ومن الغلاط النحوية مأمورين البلدية والصواب مأموري البلدية ولكل فارة يصطادونها الأهالي بالفخ وهذه اللغة يسمونها لغة البراغيث من قولهم أكلتني البراغيث وأولى أن تسمى لغة الفيران للتناسب ومثله تنزيل الفيران منزلة العاقل فقال إلقائهن
والصواب إلقاؤها ونبليلهن بدهن الكاز وإحراقهن الفيران اللواتي لم تصبهن المرض بعد لئلا تمرض فنكون. . . قصد تقليلها و لا لا
هذه من أغلاط الرسم وصوابها بها لئلا كما يفهم من سياق العبارة ومن مراجعة الأصل التركي وكذلك مللقاط
والأحسن ملقط ولم تكتف هذه الجريدة باستعمال الألفاظ التركية المهزعة بل هي تدخل إلى العربية ألفاظاً إفرنجية لها في اللغة ما يقابلها مثل لفظة كادرو
التي شاعت في العهد الأخير في هذه البلاد يراد بها الموظفون غير العاملين فيقولون أخرج فيها خارج الكادرو أو القادرو وهي لفظة فرنسوية والأولى أن يقال اخرج من الخدمة أو اسقط أو ماثل ذلك. و محلول السوبليمه ولو قال محلول السليماني لأفهم وما أعجم و الباراقات
ولو استعاض عنها بالأكواخ لأصاب شاكلة الصواب ولفظ سوبليمة
و باراك
من الألفاظ الفرنسوية أيضاً وعندنا ما يقابلهما من اللسان العربي.
وجاء في جريدة أخرى لقطر آخر. المتعين لمتصرفية. . والصواب المعين. وندعو له بالتوفيق
فالموفقية من الألفاظ العربية المتتركة والأولى حذف البحمد الله وعنايته التي لانهاية لها من منذ يومين
هذه القطعة التي افتتحها الكاتب واختتمها بحمد الله نقول فيها
من الركاكة والإفساد للغة قريش. وما أظن رجلاً من عرض الناس يكون له بعض
مطالعة قليلة يكتب عبارة أحط من هذه ودليلنا من منذ يومين ثلاث
و لم تكن
وغير ذلك من الغلط الفظ الفظيع. أما تلفات وضايعات فتتصرف على وزن
تلفات في النفوس ولا ضايعات سوى احتراق يسير في أرجل
تأثير
موفقيات
و تنسيقات
و تعقيبات
ألفاظ أصلها عربي ولكن تركيبها أعجمي. ولم
نفهم أخذت الزراع صيب المواضع
إلا عندما قابلناها للوجه التركي فرأينا فيه ما تعريبه: فأخذ الزراع يحرثون حقولهم ويسرعون إلى بذرها كما إنا لم نفهم نسبة الأرجل إلى محمد علي وهل هذا الخادم له أكثر من رجلين كما نرى الآدميين أم له عدة أرجل ولعل هذا يقاس على مر بك آنفا من تنزيل غير العاقل منزلة العاقل في جملة الفيران. ومن أبشع التعابير تعبير بدون تأثير
في آخر العبارة أما لفظ خستة غانة
فلها في العربية ما يقابلها مثل دار المرضى أو مستشفى وكذلك جميع الألفاظ التي تختم بخانة فالواجب على العربي أن لا يخون لغته بل يردها إلى أصلها فلا يقول دفتر خانة ولا تيمار خانة ولا طوبخانة ولا موز خانة ولا بارود خانة ولا قره قولخانة بل يقول دار السجلات ودار المعتوهين ودار المدافع والمتحف أو دار المتحف ودار البارود ودار الخفر أو المخفرة الخ.
ومن ركاكات هذه الصحيفة لأجل تقوية الانضباط بداخل المملكة روي لزوم إنشاء و
وكان الأجدر أن يقال لتوطيد أمور الضبط في البلاد دعت الحاجة إلى إقامة مخفرة. . ليقيم فيها مفوض الشرطة خاصة فتبرع فلان بإعطاء عرصة تبنى فيها المخفرة على نفسه أداء النفقات لبنائها. . . فلان وفلان مأمور حصر الدخان. . . . وحمية الموما إليهم حرية المومى إليهم
الواردة في العبارة الأولى فالأولى رسمها بالألف لأنها من أومأ والأتراك يرسمونها بالياء وكثير من كتاب الصحف يتابعونهم على رسمها غلطاً. وجاء في هذا العدد التقسيط المعطا من طرف. . .
وكان الأولى أن تجعل المومى إليهم
.
وجاء فيها: تفضل بالأشعار من جانب قوماندان القواي العمومية أن مجموع الإعانة للبوابير العثمانية في المعسكر الهمايوني بلغت كما هو محرر أعلاه
في هذه الجملة
وفي هذه الصفحة من الصحيفة أغلاط شائنة أخرى أكثرها مما يعرفها أحداث المدارس مثل: إن طالبين المأمورية تؤخذ منهم ورقة ترجمة الحال ابتداءً ليعلم منشأهم وهويتهم والغير تابعين لهذا الأصول لا يكون إسعافهم لمسئولهم
وتعريب هذه الجملة هكذا: تؤخذ من طالبي التوظيف تراجمهم بادئ بدءٍ ليعرف منشأهم وأحوالهم ولا يجاب سؤال من لا يجرون على هذه الأصول
ولفظ هوية
تكثر في الكلام المولد مثل كمية وكيفية.
وجاء أيضاً ما نصه وفصه: فالمأمور الذي يمنع ويصر على عدم إعطاء ترجمة الحال بلا مانع فيلحظ أنه لمقصد ستر وإخفاء بعض خصوصات عائدة لسيئات سو ابق أحواله فالمأمورين المختارين السكوت مقابل إغماض العين بهذا الباب يرى أنهم غير موافقين للمصلحة
وتعريب هذه الجملة كما يأتي: علم أن لم يمتنع من الموظفين عن إعطاء ترجمة بلا موجب مقصداً يريد ستره لسوء حاله والسكوت عن أهل هذه الطبقة يعد من الإهمال ولا يوافق المصلحة بحال
ومثله ففي هذه الحال واختياره لا يكون تجويز هذا المقصد والطالبين المأمورين
ولأجله لزم
جمل كلها من السخافات والركاكات بمكان لا يصل إليه كاتب إلا بخذلان من الله.
وجاء في جريدة لقطر آخر: بناءً على شدة احتياج أهالي الولاية وضرورتهم كما
وتعريب
علم من قرار تصفية البقايا وكان تدقيق ذلك وبتطبيق تعليمات مضبطة البقايا إلى نهاية
سنة
هذه الجملة كما يأتي: علم من قرار تصفية بقايا الموال أن أهالي الولاية في حاجة ماسة
إلى ان تطبق عليهم لائحة البقايا إلى نهاية سنة
البرق وجرى العمل به.
وفي هذه الصفحة من الصحيفة ألفاظ أعجمية عمت بها البلوى في اللغة القرشية مثل:
أرسلت الولاية بمحررة
أي في كتاب أو رسالة. واستحصال أمر وتسريع إجرائه
أو مكانته ولفظة أهمية مثل موافقية ومعمورية أصلها عربي وتركيبها أعجمي وكذلك
لتأمين وإدامة نعمة الأمنية والراحة إلى منتهى حدودها
أي لتوطيد دعائم الأمن
والراحة للغاية. ومثله نسب قوميسيون التنسيق إعطاء معاش المعزولية إلى. . . أي
رأت لجنة الإصلاح منح راتب عزل إلى. . ولفظ معاش غير وارد في هذا المعنى
والأولى أن يقال راتب أو مشاهرة وكذلك نسب رأى مناسباً و
والمعزولية
مثل الممنونية والأمنية والأهمية تقاس عليها ولكن لا تقس عليها بالله عليك ومثلها
تبليغات وتعليمات وإيضاحات. وفي هذه الجملة تراكيب رديئة مثل: باش كاتب الأعشار
والخطب يسير في إرجاع هذه الجمل
وبلغت لهم الكيفية بتذاكر مخصوصة. . . المخبر عنه يكون مظنوناً بغشهار السلاح. . .
أن ينظموا محاسباتهم العائدة لزمان إدارتهم بمجرد ما ينفكون عن مركز وظائفهم. . .
وبذلك ظهرت أنه نزلت علامة الخصب والبركة في السنة الآتية. . . يقرر حق
المفتين ببعض أحول مخصوصة مستثناة. . .
إلى العربية فيقال: رئيس كتاب الأعشار وأبلغوا ذلك في رسائل خاصة. . . المتهم
بأنه شهر السلاح. . . يضعون محاسباتهم أيام إداراتهم عندما يغادرون وظائفهم. . الخ.
وتقرأ صورة من صور الركاكة في صفحة واحدة أيضاً من تلك الجرائد التي تصدر في قطر آخر أيضاً فمنها: يلزم إيفاء التعقيبات القانونية بحق من. . . لكل الملحقات والمراجع الإيجابية. . . أسماء الذواة الذينهم عينوا. . حيث كانت أرض أنموذج الزراعة بعيدة عن البلد وواقعة في محل لا يمر فيه
. وصوابه:
اسماء الأعيان الذي عينوا. . . لعامة العمالات والمراجع. . . لما كانت أرض الحقل النموذجي. . . لم ننتفع منه في حين أنفقت عليه الأموال الطائلة استأذن مجلس الولاية العام ومجلس الإدارة نظارة الحراج بأن يجعل مزرعة أنموذجية. . . عرف بمكانة المسالة حتى إذا صدق عليه يعمل بموجبه.
وفي هذه الصحيفة من الألفاظ الأعجمية كل ما تنقبض منه النفس العربية مثل
المشروطية
والشائعة
ووالمضبطة الاسترحامية
وحيثية ملة النجيبية العثمانية
واسترحامات
وتفوهات لسانية
الخ ويمكن أن يقال عنها الحكومة النيابية أو الدستورية
والإشاعة ومضبطة الاسترحام وشرف الأمة العثمانية الكريمة. واسترحام وتفوه. ونرى أن
هذه الجريدة كلما أرادت أم تتفاصح تسقط مثل قولها: ما تقرره وما افتكر بتاتاً تبديل
تريد أن تقول لم يتقرر ولم يفكر بتاتاً وهو
وإلينا المحترم وأعهد بأن هكذا إشعارات لا تنقص بعزم وحزم حضرة المشار إليه الذي
يتعلق بإصلاح المملكة. . المرتبة العليا والمكان المسمى. . . تترنم بالأنغام المحزنة
التي تفعله بالأرواح ما لا تفعله السراح
العامل على إصلاح البلاد. . . المرتبة العليا والمكان السامي أو الأسمى. ولم أفهم
ما يراد بالسراح هنا. وكذلك نحن متحمسين بحياة حب الوطن
أي شعورنا وطني
أو ما شاكل ذلك ولف حسيات يرسمونها بالتاء المفتوحة مثل ثقات لا ثقاة ولكن ليست
من العربي في شيء.
وإليك أنموذجات أخرى من جريدة قطر عظيم آخر: غير خاف على أن جميع
المأمورين والمستخدمين هم مكلفون بإعطاء أوراق تراجم أحوالهم وكان الذين لم يقدمون
وجاء فيها: لحيث أنه من اللزوم أن أوراق الإخبارات. . . مستندة إلى قناعة كاملة من أصحابها وأن يصرح في الإمضاآت. . . أخبرنا بذلك العموم فيقتضي إعلانه بطرفكم. . . رياسة شوراء الدولة وتعليمات البول. . . المعاونية الأولى. . . باطن مظروفات مبطنة تعمل له خاصة لأجل إرساله بتمام المحافظة عن الضياع. . . حاصلات البول تفيد في خاناتها المخصوصة بالدفاتر المحلية. . . صندوق تسهيلات. . . من عموم مأموري البلدية. . . تلقى المسئولية على الآمر والصارف. . . يقيد مصروفاً بأنواعه ومقاديره بجهة المدفوعات في دفتر عينيات البول الخ.
وهنا نترك تصحيح هذه العبارة مكتفين بإيرادها بنصوصها لئلا يطول البحث. وعندنا أن هذه الجرائد إذا دامت على هذا المنوال توجد في اللغة العربية لهجة جديدة لا يفهمها إلا طبقة مخصوصة ويكون الاختلاف بينها وبين الفصحى أكثر مما بين الإسبانيولية والبرتقالية وهناك بعض صحف رسمية هي أقرب إلى الصواب في منشوراتها وإن كانت لا تسلم مما تقع فيه الجرائد الركيكة العبارة مثل قول إحداها: باشمديرية الرسومات
وصل إلى مياه ثغرنا
طريق شوسة
للتحري على المزيفين
استلفت الأنظار
القشلة الهمايونية
دفتر الاغتراب
مستملكات الروس
رفع راية العصيان
ضدطمعاً بنوال مقاصدهم
الأمر الهام
يحكم وهلة
الرفاه والراحة
بناءً عليه وتوفيقاً لأحكام
والأحرى أن يقال: رئاسة مديرية الجمرك. بلغ ثغرنا. . طريق مركبات أو معبدة. للبحث عن المزيفين. لفت الأنظار أو وجه الأنظار. الثكنة السلطانية. سجل الغرباء. مستعمرات الروس. رفع راية العصيان على. طمعاً بنيل مقاصدهم. الأمر المهم أو الجلل. يحكم لأول وهلة. الرفاهية أو الرفاهة والراحة.
عملاً بأحكام. أما تركيب بناء عليه
وعليه
وحيث أن
فهي مولدة لا يعرفها
العرب والأولى أن يستعاض عنها بتراكيب أخرى عربية.
كان الخلفاء والأمراء وخاصة الناس في صدر الإسلام حتى القرن الخامس للهجرة من أحرص الناس على تذيب بناتهم وجواريهم وأمهات أولادهم ينفقون الأموال ويجهدون النفوس السنين الطوال في تثقيف عقولهن وتقويم فطرتهن بالترويض والتخريج والتدريس والتحصيل على أيدي ثقات أهل العلم وأئمة النحاة والرواة وأشهر الحفظة والمجودين فما منهن بعد أن يتمرسن على العفاف وحب الفضيلة من لا تحفظ القرآن العزيز وطرفاً من أحكام الفقه والحديث ونتفاً من علمي الأنساب والتاريخ فضلاً عن آداب اللغة وآثار السلف من شعراء ومحدثين وغزاة وخطباء وكتبة وأمراء فكان صدر كل فتاة من فتياتهم كنزاً من أسمى الكنوز يصيب منه سميرها ما شاء من أدب وحكمة ونكتة وفكاهة فينجذب لها فؤاده وتنزع إليها عواطفه وتحل من نفسه محل الحرمة والتجلة والإعظام بمقدار ما يتوسمه فيها من مخايل الدراية والتعقل وآثار النجابة والاختبار.
وما في ذلك من عجب بل العجب من النقيض وهيهات أن يخفى على أمثال المنصور والمهدي والرشيد والمأمون أن الحسن المادي مهما كان بارعاً رائعاً باهراً فتاناً إذا لم يقترن بالحسن المعنوي ويشفع بالظرف الأدبي كانت صاحبته كالتمثال المنحوت والصورة المنقوشة بل اقل قيمة وأبعد جاذبية منعهما لأن التمثال والصورة معدودان من الجمادات فلا يتوقع منهما الإنسان رشاقة الحركة ولطف الإشارة وخفة الروح وحلاوة المعنى وسعة الدراية وحسن الرواية ولذلك يستحسنان ويروقان بأعين الناظرين بمقدار ما أودع فيهما من دقة الصناعة وتناسب الرسم وحسن التكوين وتشاكل الألوان بمعزل عن تلك المزايا.
أما الفتاة ذات الجسم المتحرك والنفس الحية واللسان الناطق والخلق السوي العتيدة أن تكون زوجاً مؤانسة وأما مربية فتأباها النفس ويعافها الذوق وينصرف عنها القلب وإن كانت جميلة وسيمة ما دامت جامدة كالصنم بكماء كالعجماء لا تفقه من أحوال
أجل وليس من ينكر أنك لتراها بادئ الأمر فتستحسنها لنقاء بشرتها وسواد حدقتها واعتدال قوامها وغضاضة جسدها وبضاضته وجدله والتفافه ثم تسمع كلامها الدال على جهلها وغباوتها المؤذن بقصر إدراكها وسذاجة قلبها وظلام ذاكرتها فتزدريها وتستهجنها وينبذها قلبك نبذ النواة ويطرحها ذكرك طرح القذاة لأنها لا تصلح للمؤانسة وترويح الهموم ولا ترجى للاستشارة وتسديد الرأي ولا تنفع للأمومة بأتم معانيها وللتربية وتدبير المنازل بكل ما يراد من هذين الواجبين بحكم العقل والصواب ومن كان هذا شأنها كانت سخطاً على النوع الإنساني ونيراً ثقيلاً على عاتق الوجود وكل أمة تقلص ظل مجدها ونضب معين رخائها ونزفت مواد قواها وتقطعت أسباب منعتها وعزتها وهنائها إنما نساؤها على تلك الشاكلة ولقد صدق من قال إن التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسراها.
فيا حبذا لو اقتدى كبراؤنا وأعظامنا بمن درجوا قبلهم من أساطين الأمة وسراة أعلامها وصرفوا العناية إلى تعليم أولئك اللواتي لا يسمين بحق أوانس إلا إذا كن بالفعل نزهة المجالس ولا يقال لهن عقائل ما لم يكن بالحقيقة أرباب علم وأدب وتهذيب وفضائل فإن الناس على دين ملوكهم والعامة تقتدي بأعيانها فلإن أحسن هؤلاء الابتداء أحسن الاقتداء والعكس بالعكس سنة الله في الخلق منذ حلت الحضارة محل البداوة وقام التهذيب مقام الفطرة وأصبح البشر درجات ومراتب وطبقات.
نقول هذا توطئة وتمهيداص لما نذكره الآن من ترجمة ابنة خليفة وأخت
ولدت عليه حفيدة المنصور — ثاني خلفاء العباسيين — وبنت المهدي وأخت موسى الهادي وإبراهيم ابن المهدي وهارون الرشيد والعباسة وأسماء وعمة الأمين والمأمون والمعتصم وصالح من سرية أم ولد تدعى مكنونة جارية المروانية
قال
وقال النوفلي عنها أنها من أوضئ النساء وجهاً وأعدلهن قواماً وأظرفهن كلاماً تقول الشعر ال
وكان
حدث يوماً أبو أحمد بن الرشيد فقال: دخل في بعض الأيام المأمون إلى دار الحرم ودخلت معه فسمعت غناءً أذهل عقلي فلم أقدر أن أتقدم ولا أتأخر وفطن المأمون لما بي فضحك ثم قال: هذه عمتك عليه تطارح عمك إبراهيم.
والشعر والغناء لها ومن شهرها في أخيها الرشيد وقد دعته إلى وليمة فلبى دعوتها:
قال الراوي ما معناه: لما زارها الرشيد قال لها غنيني يا أختي فقال وحياتك لأعملن فيك شعراً ولأصوغنَّ فيه لحناً ولأسمعنك به غناءً يطرب الثكلى ويرقص المقعد ويشجي المدنف ثم نظمت في وقتها ال
ولها في ابن أخيها الأمين وكانت لما مات الرشيد جزعت عليه جزعاً شديداً وتركت اللهو والغناء فلم يزل بها الأمين حتى عاودتهما وهي كارهة فقالت:
ولها في لبانة ابنة أخيها علي بن المهدي وكانت من حسان زمانها الفاتنات:
وليس في شعرها هذا بشيء بجانب غزلياتها فإن لها من المقاطيع في طل
ورشا
ومنها قولها في رشا
وقد كنَّت عنه بزينب:
فلما اشتهر أنها تكني عن رشا
بزينب قال وقد صحفت زينب بلفظة ريب:
وكانت لزبيدة زوجة الرشيد جارية اسمها طغيان
وشت بها مرة إلى الرشيد
فقالت علية تهجوها وفيه مع أدب الكتاب أشد أنواع الذم وهو من مبتكراتها المأثورة:
طغيانخف منذ
ثياب فوقهُفتمزقُ
ولما مات رشا
أو قتل شببت في طل
فقالت وقد صحفت اسمه في البيت
الأول تلميحاً:
ولها فيه أيضاً وقد جعلت التصحيف في البيت الثالث:
ثم صرحت بعه في أبيات أخر تستعطفه به وتتهمه بالصدود والإعراض وهي قولها
وهو من أرق التشبيب:
والذي أدبها وعلمها وخرجها فنون الشعر إنما هو عمرو أبو حفص الشطرنجي وقد نشأ هذا في دار أبيها المهدي مع أولاد مواليه ثم انقطع بعد موت المهدي إلى علية هذه ولما زوجت بموسى بن عيسى العباسي خرج معها إلى دار زوجها ولما عادت إلى القصر بموت زوجها عاد معها وسمي شاعرها وهو القائل عن لسانها لما غضب عليها الرشيد:
فكانت أبياته هذه سبب رضى الرشيد عنها وإقباله عليها ومن أحسن الغزل وأرقه
قولها:
وكان الرشيد قد استحلفها ألا تكلم طلاًّ
ولا تشبب به في شعرها ولا تسميه فحلفت له ثم همَّ فإن
وأرادت أن تقول ف
لم يصبها وابلٌ فأطلطل
فقالت فالذي نهى عنه أمير
فضحك وقال لها
المؤمنينولا كل هذا
.
هكذا روى القيرواني أما الأصبهاني فقال أنه عندما سمع الرشيد منها ذلك وهبها
الغلام بعد أن قبل رأسها وقال لها لست أمنعك بعد اليوم من شيءٍ تريدينه
وعندنا
أن الرواية الأولى أدنى إلى الصحة على ما عهد من غيرة الرشيد وأنفته كيف
وهو الهاشمي الأبي العزوف النفس ولقد روي عن لسان علية أنها قال لا غفر
وهي هي التي تقول
الله لي فاحشة ارتكبتها قط ولا أقول في شعري إلا عبثاًما حرَّم الله
وبالجملة لو لم يكن حبها
شيئاً إلا وقد جعل فيما حلل منه عوضاً فبأي شيءٍ يحتج عاصيه
للجمال مقصوراً على القيل والقال لما أكثرت من شعرها من ذكر الهجرة والوحشة والشوق فما نظمت بيتاً في التشبيب والغزل إلا كاد ينطق بعفتها وأدبها بغير لسان ويعرب عن نزاهتها وتصونها كأفصح ترجمان لأن النار لا تنبعث عن فؤَاد أخمدته الشهوات وأطفأت جذوته اللذات وما أحلى قولها تشكو وتتألم وهو من مهلهل الشعر:
ولو شئنا أن نأتي على جميع أخبارها ومنظوماتها وما ذكر الرواة من بدائعها ونكاتها لضاق بنا المقام وأدرك القارئ الملال فلم نرد بداً من الاقتصار على ما أوردنا تبصرة للرجال وتذكرة لمن أغفلن العلم ولم يعتنين بالفضل من ربات الحجال خاتمين
هذا الفصل ببيتين لعلية
لا يخلوان من الحكمة والعبرة لمن يكثر الزيارة واللبيب تغنيه الإشارة:
ابن سينا والفارابي
قال ابن سينا رحمه الله في كتاب الحدود: الجن حيوان هوائي ناطق مكشف الجرم من شأنه أن يتشكل بأشكال مختلفة قال
وليس هذا رسمه بل هو معنى اسمه اهـ قال أبو البقاء في كلياته: أي هذا بيان لمدلول هذا اللفظ مع قطع النظر عن انطباقه على حقيقة خارجية سواء كان معدوماً في الخارج أو موجوداً ولم يعلم وجوده فيه فإن التعريف الاسمي لا يكون إلا كذلك بخلاف التعريف الحقيقي فإن عبارة عن تصور ماله حقيقة خارجية في الذهن ثم قال أبو البقاء
وجمهور أرباب الملل المصدقين بالأنبياء قد اعترفوا بوجوده واعترف به جمع عظيم من قدماء الفلاسفة أيضاً.
وفي رسالة للمعلم الثاني أبو نصر محمد الفارابي في جواب مسائل سئل عنها ما مثاله:
سئل
فيما رآه بعض العوام في معنى الجن وسأله عن ماهيته فقال
: الجن حي غير ناطق غير مائت وذلك على ما توجبه القسمة التي يتبين منها حد الإنسان المعروف عند الناس أعني الحي الناطق المائت، وذلك أن الحي منه ناطق مائت وهو الإنسان ومنه ناطق غير مائت وهو الملك، ومنه غير ناطق مائت وهو البهائم، ومنه غير ناطق غير مائت وهو الجن: فقال السائل: الذي في القرآن مناقض لهذا وهو قوله استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً والذي هو غير ناطق كيف يسمع وكيف يقول: فقال: ليس ذلك بمناقض وذلك أن السمع والقول يمكن أن يوجد للحي من حيث هو حي لأن القول والتلفظ غير التمييز الذي هو النطق، وترى كثيراً من البهائم لا قول لها وهي حية، وصوت الإنسان مع هذه المقاطع هو له طبيعي من حيث هو حي بهذا النوع كما أن صوت كل نوع من أنواع الحي لا يشبه صوت غيره من الأنواع كذلك هذا الصوت بهذه المقاطع التي للإنسان مخالف لأصوات غيره من أنواع الحيوان، أما قولنا: غير مائت فالقرآن يدل بذلك في قوله تعالى رب انظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين
اهـ.
يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك
وقال تعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم
وقال ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين
فمن السواء والتعديل والازدواج والتقويم أدوات الظاهر وأعراض الباطن وهي حواس الجسم والقلب. فأدوات الجسم هي الصفات الظاهرة. وأعراض القلب هي المعاني الباطنة قد عدلها الله تعالى بحكمته وسواها على مشيئته وقومها إتقاناً بصنعته وإحكاماً بصنعه
لعلكم تذكرونأولها
النفس والروح وهما مكانان للقاء العدو والملك وهما شخصان ملقيان للفجور والتقوى ومنها
غرضان متمكنان في مكانين وهما العقل والهوى عن حكمين في مشيئة حاكم وهما التوفيق والإغواء ومنها
نوران ساطعان في القلب عن تخصيص من رحمة راحم وهما العلم والإيمان فهذه أدوات القلب وحواسه ومعانيه الغائبة وآلاته والقلب في وسط هذه الأدوات كالملك وهذه جنوده تؤدي إليه أو كالمرآة المجلوة وهذه الآلة حوله تظهر فيراها ويقدح فيه فيجدها.
ثم قال
فإذا أردا الله تعالى إظهار الخير من خزانة الروح حركها فسطعت نوراً في القلب فأثرت فينظر الملك إلى القلب فيرى ما أحدث الله تعالى فيه فيظهر مكانه فيتمكن على مثال فعل العدو في خزانة الشر وهي النفس، والملك مجبول على حب الهداية مطبوع على حب الطاعة كما أن العدو مجبول على الغواية مطبوع على حب المعصية فيلقي الملك الإلهام وهو خطوره على القلب بقدح خواطره يأمر بتقييد ذلك ويحسنه له ويحثه عليه وهذا هو إلهام التقوى والرشد.
ثم قال
ذكر تقسيم الخواطر وتفصيل أسمائها، فأما تسمية جملة الخواطر فما وقع في القلب من عمل الخير فهم إلهام
.
وما وقع من عمل الشر فهو وسواس
.
وما وقع في القلب من المخاوف فهو الحساس
.
وما كان من تقدير الخير وتأميله فهو نية
.
وما كان من تدبر الأمور المباحات وترجيها والطمع فيها فهو أمنية وأمل
.
وما كان من تذكرة الآخرة والوعد والوعيد فهو تذكرة وتفكير
.
وما كان من معاينة الغيب بعين اليقين فهو مشاهدة
.
وما كان من تحدث النفس بمعاشها وتصريف أحوالها فهو هم
.
وما كان من خواطر العادات ونوازع الشهوات فهو لمم
.
ويسمى جميع ذلك خواطر
لأنه خطور همة نفس أو خطورة عدو بحسد أو خطرة
ملك بهمس اهـ مخلصاً.
قال في المضنون الكبير: الملائكة والجن والشياطين جواهر قائمة بأنفسها مختلفة بالحقائق اختلافاً يكون بين الأنواع مثال ذلك القدرة فهيب مخالفة للعلم والعلم مخالف للقدرة وهما مخالفان اللون واللون والقدرة والعلم أعراض قائمة بغيرها فكذلك بين الملك والشيطان والجن والملك فلا يدري أهو اختلاف بين النوعين كالاختلاف بين الفرس والإنسان أو الاختلاف في الأعراض كالاختلاف بين الإنسان الناقص والكامل وكذا الاختلاف بين الملك والشيطان وهو أن يكون النوع واحداً والاختلاف واقعاً في العوارض كالاختلاف بين الخير والشر والاختلاف بين النبي والولي، والظاهر أن اختلافهم بالنوع والعلم عند الله تعالى، وهذه الجوار المذكورة لا تنقسم أعني أن محل العلم بالله تعالى و
وقال الغزالي في الإحياء في بيان تسلط الشيطان على القلب بالوسواس بعد تمهيد مقدمة ما مثله: فمبدأ الأفعال الخواطر ثم الخاطر يحرك الرغبة ثم الرغبة تحرك العزم والعزم يحرك النية والنية تحرك الأعضاء والخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر أعني ما يضر في العقبة وإلى ما يدعو إلى الخير أعني إلى ما ينفع في الدار الآخرة فهما خاطران مختلفان فأفتقر إلى اسمين مختلفين فالخاطر المحمود يسمى إلهاماً والخاطر المذموم أعني الداعي إلى الشر يسمى وسواساً ثم أنك تعلم أن هذه الخواطر حادقة ثم أن كل حادث فلا بد له من محدث ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الأسباب هذا ما عرف من سنة الله تعالى فر ترتيب المسببات على الأسباب، فمهمات استنارت حيطان البيت بنور النار وأظلم سقفه واسود بالدخان علمت أن سبب السواد غير سبب الاستنارة وكذلك لأنوار القلب وظلمته سببان مختلفان فسبب الخاطر الداعي إلى الخير يسمى ملكاً
وسبب الخاطر الداعي إلى الشر يسمى شيطاناً
واللطف الذي يتهيأ به القلب لقبول إلهام الخير يسمى توفيقاً
والذي به يتهيأ لقبول وسواس الشيطان يسمى إغواءً وخذلاناً فإن المعاني المختلفة تفتقر إلى أسامي مختلفة. و الملك
عبارة عن خلق خلقه الله تعالى شأنه إفاضة الخير وإفادة العلم وكشف الحق والوعد بالخير والأمر بالمعروف وقد خلقه الله وسخره لذلك. والشيطان
عبارة عن خلق شأنه ضد ذلك وهو الوعد بالشر والأمر بالفحشاء والتخويف عند الهم بالخير بالفقر. فالوسوسة في مقابلةومن كل شيء خلقنا زوجين
.
قال رحمه الله في كتابه الفصل في الكلام على الجن ووسوسة الشيطان ولعله في
لم ندرك بالحواس ولم علمنا وجوب كونهم ولا وجوب امتناع كونهم في العالم أيضاً بضرورة العقل ولكن علمنا بضرورة العقل إمكان كونهم لأن قدرة الله تعالى لا نهاية لها وهو عز وجل يخلق ما يشاء ولا فرق بين أن يخلق خلقاً عنصرهم التراب والماء فيسكنهم الأرض والهواء والماء — وبين أن يخلق خلقاً عنصرهم الهواء والنار فيسكنهم الهواء والنار والأرض بل كل ذلك سواء وممكن في قدرته لكن لما أخبرت الرسل الذين شهد الله عز وجل بصدقهم بما أبدى على أيديهم من المعجزات المحيلة للطبائع بنص الله عز وجل على وجود الجن في العالم وجب ضرورة العلم بخلقهم ووجودهم وقد جاء النص بذلك وبأنهم أمة عاقلة مميزة متعبدة موعودة متوعدة متناسلة يموتون وأجمع المسلمون كلهم على ذلك نعم والنصارى والمجوس والصابئة وأكثر اليهود، وهم يروننا ولا نراهم قال الله تعالى إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فصح أن الجن قبيل إبليس قال الله عز وجل إلا إبليس كان من الجن، وإذا أخبرنا الله عز وجل أننا لا نراهم فمن ادعى أنه يراهم ورآهم فهو كاذب إلا أن يكون من الأنبياء عليهم السلام فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تفلت عليه الشيطان ليقطع عليه صلاته قال فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان ولولا ذلك لأصبح موثقاً يراه أهل المدينة أو كما قال عليه السلام وكذلك في رواية عن أبي هريرة الذي رأى إنما هي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية جني بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي منقطعات أو عمن لا خير فيه.
وهم أجساد رقاق صافية هوائية لا ألوان لهم وعنصرهم النار كما أن عنصرنا التراب وبذلك جاء القرآن قال الله عز وجل والجان خلقناه من قبل من نار السموم والنار والهواء عنصران لا ألوان لهما وإنما حدث اللون في النار المشتعلة عندنا لامتزاجها برطوبات ما تشتعل فيه من الحطب والكتان والأدهان وغير ذلك ولو كانت لهم ألوان لرأيناهم بحاسة البصر ولو لم يكونوا أجساماً صافية رقاقاً هوائية لأدركناهم بحاسة اللمس.
وصح النص بأنهم يوسوسون في صدور الناس وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فوجب التصديق بكل ذلك حقيقة وعلمنا أن الله عز وجل جعل لهم قوة
وأما الصرع
فإن الله عز وجل قال كالذي يتخبطه الشيطان من المس فذكر عن وجل تأثير الشيطان في الصروع إنما هو بالمماسة فلا يجوز ل
قال في مباحث الاستعاذة من أوائل تفسيره: أطبق الكل على أنه ليس الجن والشياطين عبارة عن أشخاص جسمانية كثيفة تجيء وتذهب مثل الناس والبهائم بل القول المحصل فيه قولان الأول
أنها أجسام هوائية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة لها عقول وإفهام وقدرة على أعمال صعبة شاقة والقول الثاني
أن كثيراً من الناس أثبتوا أنها موجودات غير متحيزة ولا حالة في التحيز وزعموا أنها موجودات مجردة عن الجسمية قالوا
وهذه الأرواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة وهي المسماة بالصالحين من الجن. وقد تكون ثم قال
الأول
أنه يمكننا أن نحكم على هذا الشخص المعين بأنه إنسان وليس بفرس والقاضي على الشيئين لا بد وأن يحضره المقضي عليهما فههنا شيء والثاني
هب أن النفس المجردة لا تقوى على إدراك الجزئيات ابتداء لكن لا نزاع أنه يمكنها أن تدرك الجزئيات بواسطة الآلات الجسمانية فلم لا يجوز أن يقال أن تلك الجواهر المجردة المسماة بالجن والشياطين لها آلات جسمانية من كرة الأثير أو من كرة الزمهرير ثم أنها بواسطة تلك الآلات الجسمانية تقوى على إدراك الجزئيات وعلى التصرف في هذه الأبدان.
وأما الذين زعموا أن الجن أجسام هوائية أو نارية فقالوا أن الأجسام متساوية في الحجمية والمقدار وهذان المعنيان لأعراض فالأجسام متساوية في قبول هذه الأعراض، والأشياء المختلفة بالماهية لا يمنع اشتراكها في بعض اللوازم فلما لا يجوز أن يقال الأجسام مختلفة بحسب ذواتها المخصوصة وماهياتها المعينة وإن كانت مشتركة في قبول الحجمية والمقدار وإذ ثبت هذا فنقول لم لا يجوز أن يقال
ثم قال الرازي
اع لم أن الإنسان إذا جلس في الخلوة وتواترت الخواطر في قلبه فربما صار بحيث كأنه يسمع في داخل قلبه ودماغه أصواتاً خفية وحروفاً خفية فكأن متكلماً يتكلم
ولقائل يقول هذا الذي سميته بتخيل الحروف والكلمات هل هو مساو للحرف والكلمة في الماهية أولاً فإن حصلت المساواة فقد عاد الكلام إلى أن الحاصل في الخيال حقائق الحروف والأصوات وإلى أن الحاصل في الخيال عند تخيل البحر والسماء حقيقة البحر والسماء — وإن كان الحق هو الثاني وهو أن الحاصل في الخيال شيء آخر مخالف للمبصرات والمسموعات فحينئذ يعود السؤال وهو أنا كيف نجد من أنفسنا صور هذه المرئيات وكيف نجد في أنفسنا هذه الكلمة أو العبارة وجداناً لا نشك أنها حروف متوالية على العقل وألفاظ متعاقبة على الذهن فهذا منتهى الكلام في كلام الفلاسفة.
أما الجمهور الأعظم من أهل العلم فإنهم سلموا أن هذه الخواطر المتوالية المتعاقبة حروف وأصوات حقيقية.
واعلم بأن القائلين بهذا القول قالوا فاعل هذه الحروف والأصوات إما ذلك الإنسان أو إنسان آخر وإما شيءٌ آخر روحاني مباين يمكن إلقاء هذه الحروف والأصوات إلى هذا الإنسان سواء قيل أن ذلك المتكلم هو الجن والشياطين أو الملك وأما أن يقال خالق تلك الحروف والأصوات هو الله تعالى أما القسم الأول
وهو أن فاعل هذه الحروف والأصوات هو ذلك الإنسان فهذا قول باطل لأن الذي يحصل باختيار الإنسان قادر على تركه فلو كان حصول هذه الخواطر بفعل الإنسان لكان الإنسان إذا أراد فعلها أو تركها لقدر
وأما القسم الثاني
وهو أنها حصلت بفعل إنسان آخر فهو ظاهر الفساد. ولما بطل هذا القسمان بقي الثالث
وهي أنها من فعل الجن أو الملك أو من فعل الله تعالى أما الذين قالوا
أن الله تعالى لا يجوز أن يفعل القبائح فاللائق بمذهبهم أن يقولوا أن هذه
قال في كتابه أعلام النبوة: الجن من العالم الناطق المميز يتناسلون ويموتون، وأشخاصهم محجوبة عن الأبصار، وإن تميزوا بأفعال وآثار، إلا أن يخص الله برؤيتهم من يشاء، وإنما عرفهم الإنس من الكتب الإلهية، وما تخيلوه من آثارهم الخفية،
ثم قال
: واختلفوا في الشياطين فزعم قوم أنهم كفار الجن يتناسلون ويموتون وزعم آخرون أنهم غير الجن وإنهم من ولد إبليس واختلف من قال بهذا في تناسلهم وموتهم فذهب فريق منهم إلى أنهم يتناسلون ويموتون وذهب آخرون إلى أنهم كإبليس لا يموتون إلا معه وإن تناسلهم انقطع بأنظار إبليس إلى يوم يبعثون، فإن أنكر قوم خلق الجن ولم يؤمنوا بالكتب الإلهية قهرتهم براهين العقول وحجج القياس ثم أسهب في ذلك رحمه الله.
قال في تفسير آية وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن في سورة الأحقاف ما مثاله: الجن نفوس أرضية تجسدت في أبدان لطيفة مركبة من لطائف العناصر سماها الحكمة الفرس الصورة المعلقة
ولكونها أرضية متجسدة في ابدان عنصرية ومشاركتها الأنس في ذلك سميا ثقلين وكما أمكن الناس التهدي بالقرآن أمكنهم وحكاياتهم من المحققين وغيرهم أكثر من أن يمكن رد الجميع وأوضح من أن يقبل التأويل:
وقال في تفسير سورة الجن: قد مر أن في الوجود نفوساً رضية قوية لا في غلط النفوس الصور المعلقة
ولها علوم وإدركات من جنس علومنا وإدراكاتنا، ولما كانت قريبة بالطبع من الملكوت السماوي أمكنها أن تتلقى عالمها بعض الغيب فلا تستبعد أن ترتقي إلى أفق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة أي
نقل عن السفاريني أنه قال: الجن أجسام مؤلفة وأشخاص ممثلة ويجوز أن تكون رقيقة وأن تكون كثيفة خلافاً للمعتزلة في قولهم أنها أجسام رقيقة ولرقتها لا نراها قال
: ولا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور وإنما يجوز أن يعلم الله ضرباً من ضروب الأفعال إذا فعله نقله الله من صورة إلى صورة فيقال أنه قادر على التصوير والتخييل على معنى أنه قادر على أمر إذا فعل نقله الله عن صورة إلى صورة أخرى لجري العادة وإما أن يصور نفسه فذلك محال لأن انتقالها عن صورة إلى صورة إنما يكون بنقص البنية وتفريق الأجزاء وإذا انتقلت بطلت الحياة واستحال وقوع الفعل من الجملة وكيف تنقل نفسها قال
والقول في تشكيل الملائكة مثل ذلك وسيأتي أول الخاتمة مبحث تمثل الروحاني مفصلاً
.
نقل عنه السفاريني أنه قال: لم يخالف قال
ولم ينكر الجن إلا شرذمة قليلة من جهال الفلاسفة ونحوهم، وقال
ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساوياً لما على الأنس في الحد والحقيقة لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلمه بين العلماء: وقال في تفسير سورة الإخلاص
إن الفلاسفة كلامهم في الإلهيات والكليات العقلية قاصر جداً وفيه تخليط كثير وإنما يتكلمون جيداً في الأمور الحسية الطبيعية وفي كلياتها فكلامهم فيها في الغالب جيد، وأما الغيب الذي تخبر به الأنبياء والكليات العقلية التي تعم الموجودات كلها وتقسم الموجودات قسمة صحيحة فلا يعرفونها البتة فإن هذا لا يكون إلا ممن أحاط بأنواع الموجودات وهم لا يعرفون إلا قليلاً من الموجودات وما لا يشهده الآدميون من الموجودات أعظم قدراً وصفة مما يشهدونه بكثير، ولهذا كان هؤلاء الذين عرفوا ما عرفته الفلاسفة إذا سمعوا
وقد أسهب رحمه الله في كتابه الفرقان — المطبوع — فيما يتعلق بالجن الشياطين فليراجع.
قال رحمه الله في زاد المعاد في علاج الصرع ما مثله: الصرع صرعان صرع من الرواح الخبيثة الأرضية — وصرع من الأخلاط الردية. والثاني هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه. وأما صرع الرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون بأن علاجه بمقابلة الرواح الشريفة الخيرة العلوية لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة فتدفع آثارها وتعارض أفعالها وتبطلها. وقد نص على ذلك بقراط في بعض كتبه فذكر بعض علاج الصرع وقال: هذا إنما ينفع من الصرع الذي سببه الأخلاط والمادة وأما الصرع الذي يكون من الأرواح فلا ينفع فيه هذا
ثم قال ابن القيم
هذا ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى
وعلاج هذا الصرع باقتران العقل الصحيح إلى الإيمان بما جاءت به الرسل عليهم السلام.
قال في تفسير قوله تعالى الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس الموسوسون قسمان قسم الجنة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم وإنما نجدهم في أنفسنا أثراً ينسب إليهم، ولكل و
وقال في موضع آخر: إن إلهام الخير والوسوسة مما جاء في لسان صاحب الوحي صلى الله عليه وسلم وقد أسند إلى هذه العوالم الغيبية، وخواطر الخير التي تسمى إلهاماً وخواطر الشر التي تسمى وسوسة كل منهما محله الروح فالملائكة والشياطين إذن أرواح تتصل بأرواح الناس. فلا يصح أن نمثل الملائكة بالتماثيل الجسمانية المعروفة لنا لأن هذه لو اتصلت بأرواحنا فإنما تتصل بها من طرق أجسامنا ونحن لا نحس بشيءٍ يتصل بأبداننا لا عند الوسوسة ولا عند الشعور بداعي الخير من النفس فإذن هي من عالم غير عالم الأبدان
ثم قال
يشعر مكل من فكر في نفسه، ووازن بين خواطره عند ما يهم بأمر فيه وجه للحق أو للخير، ووجه للباطل أو للشر، بأن في نفسه تنازعاً كان الأمر قد عرض فيها على مجلس شورى فهذا يورد وذاك يدفع، وواحد يقول افعل وآخر يقول لا تفعل حتى ينتصر
أ
للباحثين في تمثل الرواح آراء عديدة وأنظار متنوعة نذكر منها طرفاً قال في الخلاصة: اعتقاد قدماء اليهود بماهية الرواح المغيبة إنها إما هواء خالص أو لهيب نار ثم قال
فعلى هذا فللملائكة أجسام هوائية لطيفة لا ترى ما لم تمثل كالهواء الذي نتنفسه فإنه جسم لكنه غير مبصر لنا ثم قال
واقرب شاهد للتمثل هو الهواء فإنه وإن لم يقبل في حال تخلخله شكلاً ولا لوناً إلا أنه متى تكاثف أمكن تشكله وتلونه كما يتضح في السحاب وعلى هذا النمط يجوز أن تتكثف أجسام الملائكة بالقدرة الربانية على قدر ما يلزم لتموين الجسم المراد اتخاذه وبقدرون التجسد بعد أن يفعلوا أفاعيل حيوية اهـ.
وقدمنا عن القاضي أبي يعلي أنه قال: لا قدرة للشياطين على تغيير خلقهم والانتقال في الصور وإنما يجوز أن يعلمهم الله ضرباً من ضروب الأفعال إذا فعله نقله الله من صورة إلى صورة الخ: ونقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن إمام الحرمين أن تمثل جبريل معناه أن الله أفتى الزائد من خلاقه وأزاله عنه ثم يعيده إليه بعد. وجزم ابن عبد السلام بالإزالة دون الفناء وقرر ذلك بأنه لا يلزم أن يكون انتقالها موجباً لموته بل يجوز أن يبقى الجسد حياً لأن موت الجسد بمفارقة الروح ليس بواجب عقلاً بل بعادة أجراها الله تعالى في بعض خلقه ونظيره انتقال أرواح الشهداء إلى أجواف طير خضر تسرح في الجنة، الأنبياء عليهم السلام
فمما لا استحالة
ب
شاع وصف الجن بالأرواح في المأثور وفي كلام الحكماء قال ابن الأثير في حديث: إني أعالج من هذه الأرواح: الأرواح ههنا كناية عن الجن سموا أرواحاً كونهم لا يرون فهم بمنزلة الرواح: إلا أنه غلب لفظ روح مفرداً في التنزيل الحكيم على الملك قال في الخلاصة: أن كلمة روح التي وصف بها الملائكة تتضمن معنى يدل على ماهيتهم وهوانهم مجردون عن كثافة الأجسام فليسوا مثلنا قال
لأن أصل معنى الروح في العبراني واليوناني كما في العربي ريح أي هراء متحرك وكأن لغة البشر تقصر عن التعبير بكمال الكنه والحقيقة فاكتفى بتوضيح بلفظ يوضح الحقيقة وإن لم يجهلها تمام الجهلاء اهـ وقال ابن الأثير في حديث الملائكة الروحانيون
يروى بضم الراء وفتحها كأنه نسبة إلى الرُّوح والرَّوح وهو نسيم الريح وال
وفي كليات أبي البقاء: الروح بالضم هو الريح المتردد في مخارق الإنسان ومنافذه واسم الروح الخ وفي التاج عن الفراء قال: سمعت أبا الهيثم يقول: الروح إنما هو النفس الذي يتنفسه الإنسان وهو جار في جميع الجسد فإذا خرج لم يتنفس بعض خروجه: وفي نقد المحصل للطوسي: الفلاسفة يفرقون بين النفوس والأرواح فإن النفوس عندهم جواهر بسيطة مجردة متعلقة الأبدان، والأرواح أجسام مركبة من الأبخرة والأدخنة المرتفعة من الدم المحتبس في العروق: وروى ابن جرير عن قتادة في تفسير آية ويسئلونك عن الروح قال الروح هو جبريل قال قتادة: وكان ابن العباس يكتمه ثم اسند إلى ابن العباس أن الروح ملك وكذا عن علي رضي الله عنه أنه قال: هو ملك من الملائكة:
ج
جاء في معجم لاروس: أن سقراط كان يزعم أن له شيطاناً خاصاً يوحي إليه مقاصده وجميع مبادئ فلسفته وحكمته. فادعى بعضهم أن ذلك كان روحاً أو عاملاً فوق قوة البشر وأطلق آخرون هذا الاسم على معنى أدبي لطيف وحاسة طبيعية رائقة سريعة الإدراك أنمتها تجارب طويلة وهم على ما يرون أن شيطان سقراط لم يكن إلا إلهامات باطنة تعرض لعقله وقلبه مؤقتة عند تصور أعلى مطالب الفلسفة فمعنى استشارة سقراط لشيطانه
وجاء فيه أيضاً في مادة جني: أن الجن في الأساطير الرومانية إشارة إلى الشيطان عند اليونان وهي عبارة عن الروح أو المبدأ الحيوي فكانوا يذهبون إلى أن كل عمل يعمله الإنسان يمليه عليه شيطانه الخاص. فالظاهر أنه كان من تأثيرات الزندقة الطبيعية أن توهم عامة اللاتين بأن للمرء شيطانين وذلك ليحلوا كما يشاؤون مسألة الخير والشر فشيطان الخير يوحي الأفكار الصالحة النافعة وشيطان الشر يلهم الأعمال الشريرة والحوادث المكدرة وهكذا رأى أن القائد بروتوس وكاسيوس عندما كتبت الهزيمة على أعلامهما شيطانهما الشريرين.
وكان القوم في رومية يعبدون الشياطين الخاصة والشياطين المحلية فإذا ولد لهم ولد يقومون باحتفال إكراماً لشيطانه وكثيراً ما تقدم فاكهة وثمار لشياطين المكان وعلى
د
جاء في دائرة المعارف البريطانية ما تعريبه:
إن كلمة الشيطان هي اسم وضع في الإنجيل والمذهب النصراني على شرير كبير يظن أنه يرأس مملكة من الأرواح الخبيثة وهو الملك فيها وأنه عدو الله دائماً واللفظة العبرية وهي الشيطان الدالة على معنى المعاكسة أيضاً تستعمل لهذا الشرير الكبير أو ملك مملكة الشر ومما لا شك فيه أن روحاً خبيثة كهذه كثيراً ما استعملت في العهد الجديد وقد سمي بأسماء متعددة غير ما ذكر مثل كلمة الممتحن، بعل زبوب، ملك الشياطين، القوى، الشرير الخاطئ، العدو الألد، وهذه السماء استعملت مترادفة في الإنجيل وحيثما استعملت تدل على نفس القوة المتحركة الشريرة الخارجة عن الإنسان والمؤثرة فيه أو التي لها سلطة عليه ومن المسائل ما هو مبلغ اعتقاد المسيح نفسه في وجود مثل هذه القوة الخبيثة إلا أنه مما لا شك فيه أن قوة كهذه كان معترفاً فيها في معتقدات اليهود في أيامه ومن المحقق أيضاً أن
هـ
تزعم الفرس أنه الجن يسكنون في بلاد تسمى جنستان ويسميها شعرائهم أرض العفاريت والجنيات ويقولون أنها واقعة في الطرف الغربي من أفريقية ومنهم من يقول أن مقرهم في جزيرة الحيات في بحر الهند ويصورونهم بهيئات مخيفة بقرون طويلة وأذناب وعيون مشقوقة طولاً وشعر واقف كذا في دائرة المعارف.
و
قال وليّ الدين: يدعي بعض شيوخ الضلالة ورسل البهتان أن لهم تعازيم يستحضرون بها الجن ويجعلونهم تحت تصرفهم ولا يزال لهذا الأضاليل أثر يذكر يتناقله الناس ويعتقدون بصحته اهـ.
ز
قال الرازي في مقدمة تفسيره في بحث الاستعاذة: هؤلاء الذين يمارسون صنعة التعزيم إذا تابوا من الأكاذيب يعترفون بأنهم قط ما شاهدوا أثراً من هذا الجن قال الرازي وذلك مما يغلب على الظن عدم هذه الأشياء قال وسمعت واحداً ممن تاب عن تلك الصنعة قال: إني واظبت على العزيمة الفلانية كذا من الأيام وما تركت دقيقة من الدقائق إلا أتيت بها ثم أني ما شاهدت من تلك الأحوال المذكورة أثراً ولا خبراً اهـ.
ح
ذكر بعض المحققين أن إبليس علم جنس للشيطان معرب ذياقوليس باليونانية ومعناه موقع الخلاف أو مطغي أو مبعد الإنسان عن سبيله، ويتضمن اسمه معنى آخر في كتب الوحي وهو رئيس الأرواح الشريرة قال وكان شعراء الفرس الذين ينظمون في الخرافات يصفونه بلون أسود وعينين تقذفان ناراً ورائحة كبريتية وقرون وذنب وأظافر معوجة
ط
لفظ شيطان عبراني بمعنى مخاصم أو مضاد ثم أطلق على روح شريرة غير مرئية تدعو إلى المعاصي والآثام كذا في المرشد قال الراغب عن أبي عبيدة: الشيطان اسم لكل عارم من الجن والإنس والحيوانات قال وقد يسمى كل خلق ذميم للإنسان شيطاناً لهـ ونقله السيد الزبيدي عنه في تاج العروس شرح القاموس.
ي
قال بعض الأفاضل: من الاعتقادات الشائعة أن الجن تسكن بعض الأماكن ولاسيما الخرابات والقبور والعيون والآبار والبيوت المهجورة حتى العامرة أيضاً فيحتاج أهلها إلى الخروج منها وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا سكنى دار ذبحوا للجن ذبيحة حتى لا تضرهم وهذا الاعتقاد المتقادم العهد لم يزل باقياً إلى الآن في أماكن كثيرة وربما روى بعض العامة مرائي وأساطير من هذا القبيل، وما ذلك إلا أوهام وتصورات تنتج من المتخيلة المنطبعة فيها من جري أكثر الأخبار، آثار لا تمحى إلا بكرور الأيام، وانتشار ألوية العلم في كل القطار بحيث تتمزق حجب الأوهام، وتأخذ الحقائق مكانها في أفكار الأنام، سهل الله سلوك سبيل العلم والعرفان إنه الكريم العلام.
قليل في القارئين من لم يسمعوا باسم
أصل هذا الرجل هولاندي نزل أجداده الولايات لمتحدة منذ مائتي سنة وتخرج هو في كلية هارفرد الجامعة وكان قبيل الحرب الأميركية الإسبانية مساعد أمين سر وزارة البحرية فلما نشبت الحرب استقال وتطوع في الجيش حتى إذا عاد ظافراً عينته الحكومة والياً على نيويورك ثم معاوناً للرئيس ماكنلي فلما قتل هذا انتخبته هذا رئيساً عليها على الرغم مما كان يكيد له بعض منافسيه في السياسة ثم أعيد انتخابه بعد
ولما لم يرض
فمتى قلت لكم أنه يجب عليكم أن تؤيدوا الحكومة لا أريد أن يخطر لكم أنني أريد من قولي هذا أنكم مضطرون إلى السعي وراء أحرز الوظائف فيها ضحك
بل إن الأمر على عكس ذلك. وأرجو يا حضرة الدكتور جفن رئيس الإرسالية الأميركية في السودان أن الأعمال التي قمتم بها هنا والتي تقوم بها سائر المعاهد العلمية التي لكم صلة بها سترمي إلى تلك الغاية. فتذكرون دائماً أن أعظم الناس خدمة ونفعاً للحكومة هو الرجل الذي يأبى على كل حال أن يشغل وظائفها.
أما أنا فلا أريد أن أرى كلية من كليات الإرسالية موجهة سعيها الأول وجاعلة غايتها الرئيسة من التعلم مجرد تخريج طلبة لإحراز الوظائف في مناصب الحكومة. بل أريد أن أرى المتخرج مستعداً للعمل باستقلال وبدون أقل اهتمام بأية مساعدة ينالها من راتب يتقاضاه من الحكومة. فإن أفضل الوطنيين شأناً هو من برع في الهندسة والصناعة والزراعة ومن سوء الحظ أن يقع في الأذهان سواء في أميركا وأوربا وأفريقية أن الرجل المتعلم يجب أن يجعل غايته الوحيدة اتخاذ وظيفة في خدمة الحكومة. إنني أرجو أن يتخرج من هذا المعهد العلمي وأمثاله عدد من أفضل الموظفين لخدمة الحكومة في أعمالها العسكرية والملكية ولكن إذا وافقت الأحوال فإن موظفي الحكومة بين ملكيين وعسكريين يكونون دائماً العدد الأقل من المتخرجين. لأن الغاية العظمى التي يجب أن ترمي إليها المعاهد العلمية هي تخريج رجال يستطيعون العمل بدون مساعدة ويستطيعون أيضاً مساعدة أنفسهم وغيرهم وهم على استقلال تام بدون أن تكون لهم أقل علاقة بالحكومة. وهذه مسألة أهتم بها كثيراً هنا اهتمامي بها في أميركا بالذات. . . .
وفي الختام أقول لا تقعوا في الخطأ الذي يقع فيه الشبان منكم فتظنوا أن علمكم قد انتهى بخروجكم من المدرسة أو الكلية. بل اعلموا أنكم إنما أنجزتم نصف العلم فأنا الآن
فعلى كل و
هذا ما قاله في هذه الخطبة وهو كما نراه يدعو إلى الاستقلال في التربية وقال في خطبة له في
اجتنبوا الباطل والادعاء الفارغ كما تجتنبون التعصب الديني والجنسي والسياسي. إن في كليات أوربا وكليات بلادنا أموراً كثيرة تستفيدون منها ولكن فيها أموراً كثيرة يجب اجتنابها. فاقتبسوا عنها ما كان حسناً ولكن انتقدوه قبل اقتباسه حتى تثقوا بأنكم إنما تقتبسون ما هو الفضل والأصلح لكم.
وأهم اجتناب من التقصيرات التعليمية اجتناب التقصيرات الأدبية. فإنكم ترسلون الطلبة إلى أوربا لكي يدرسوا فيها ويستعدوا لأتن يصيروا أساتذة. وهذا الاستعداد لازم إذ من الأمور الجوهرية أن تكون الجامعة مطلعة على أحسن ما يجري في معاهد أوربا وأمريكا العلمية ولكن ليعتن الشبان الذين يرسلون باقتباس كل ما هو حسن وجميل وواجب لأرقى أنواع التقدم الحديث وليجتنبوا كل ما كان غير ضروري في تمدن هذا العصر ولاسيما رذائل الأمم المتمدنة الحديثة ولتكن أذهانهم مفتوحة إذ من الخطأ العظيم إن تأبوا اقتباس ما رقي به الغرب في مرقاة القوة والعدول والعيشة الطاهرة وأن تقضوا به حاجاتكم ولكن من الخطأ العظيم أيضاً أن تقتبسوا ما كان رخيصاً أو مبتذلاً أو رديئاً. ليعلم الذين يرسلون إلى أوربا أن فيها أشياء كثيرة يجب أن يتعلموها وأخرى يجب أن يجتنبوها ويرفضوها فليأخذوا الحسن ولينبذوا القبيح.
واعلموا أيها الخلان أنه إن كان عندي شيء أقوله لكم فذلك الشيء هو أن الأخلاق أهم من العقول بكثير وأنه يجب على كل جامعة عظيمة بالفعل أن تسعى في تربية الصفات التي تكون منها الأخلاق أكثر من تربية الصفات التي تقوم بها العقول المثقفة. نعم إنه
واحذروا خصوصاً من نقص و
فهذه البلاد كسائر البلدان تحتاج إلى عدد معين من الرجال تؤهلهم تربيتهم الانقطاع إلى العلم والتعليم في المدارس أو تقلد مناصب الحكومة. ولكن ليس من مصلحة بلاد ما أن ينصرف إلى هذه الأمور سوى جزء صغير من ذوي العقول الكبيرة فيها.
ويجب أيضاً ترقية الميل إلى الصنائع وتمرين الأهالي حتى يحسنوا الزراعة وينبغوا فيها كما ينبغ أمهر المحامين والموظفين وحتى يخرج منهم التجار والمهندسون وأصحاب الأعمال الأخرى التي لا غنى عنها في بلاد عظيمة متمدنة.
إن وجود سياسي شعبي مستقيم بعيد النظر مفيد في كل بلاد ولكن فائدته تتوقف خصوصاً على استطاعته التعبير عن مشيئة أمته وللسياسي النصيب الأكبر في قيادتها وللتاجر والزارع والمهندس وأهل الفنون الأخرى النصيب الأوفر. كل أمة لا يكون لها من القادة والساسة والمحامون لم تدرك شأواً يستحق الذكر. فأساس الحياة الصحيحة في كل بلاد واجتماع إنما هو الرجال الذين يعملون الأعمال المختلفة من حراثة وصناعة وتجارة ولا
على أن الأمر المهم أن يقوم العمل على الأمانة والكفاءة مهما يكن مركز العامل من أكبر كبير إلى أحقر حقير. وما أقوله هنا على ضفاف النيل هو نفسه ما قلته على ضفاف أنهر الهدسون والميسيسيبي وكولومبيا.
واذكروا دائماً أنه لا الفرد ولا الشعب يتربيان التربية الجوهرية بمجرد فعل يفعلانه وإنما يتربيان بطريقة تتعاقب فيها الأفعال كطريقة النمو فإنك لا تجعل الإنسان متربياً ومتعلماً تعلماً حقيقياً بمجرد إعطائه دروساً معينة وكذلك لا تجعل أمة صالحة لأن تحكم نفسها بنفسها بمجرد إعطائها دستوراً على الورق. بل تربية الفرد وتعليمه حتى يصير صالحاً للعمل في العالم تستغرقان أعواماً طويلةً وهكذا تربية الأمة وإعدادها حتى تنجح في قضاء واجبات الحكومة الذاتية لا يتمان في
وخطب أيضاً تلميذات كليات البنات الأميركية في
لا تقوم أمة في العالم أبداً إذا لم تكن فيها المرأة قادرة على القيام بعملها بجدارة وأهلية مثل الرجل وأنه من العدل أن تفهم وهي في حداثة السن في مدرستها وتعلم كيف تؤدي أعمالها وأشغالها.
إني أفتخر بكل مدرسة لا تقتصر على تلقين العلوم بل تعلم العمل ولا أشك في أن تلميذات هذه المدرسة متى صرن صاحبات بيوت يبرهن على اقتدارهن على أن يقمن فغي بيوتهن كما تقوم نساء الإرسالية في بيوت رجالهن.
يسرني جداً في هذه المدرسة أنها تعمل على قاعدة التسامح الديني. يسرني جداً أن ما علمته من أن
أود الآن أن أتكلم عن المدارس عامة لما جئت إلى مصر من زمن بعيد لم تكن الحالة كما هي الآن إنني لا أقدر أن أصفها تماماً ولكن أتذكر منها ما يجعلني مع المقابلة أرى الآن النجاح والتقدم العظيم. إنني شاهدت الآن بيوتاً وترتيباً ومعيشة لم أشاهدها حينئذ. رأيت
إنني في كلامي عن المدارس لا أخصص جنساً منها بل أمتدح كل المدارس على اختلاف نزعاتها وصفاتها والقائمين بالعمل فيها ولا أقول أنه توجد مناظرة بين هذه المدارس أو أنني أكره المناظرة في هذا السبيل بل أقول أنني أرجو الخير لجميعها إذا كانت تعمل وهي ولا شك تعمل لخير المصريين.
هذا ما قالع العلامة المشار إليه وهو كما تراه يرمي إلى الاستقلال وينفر الناس عن الاتكال إذ قد عز عليه أن يرى شبان الشرق يقلدون بعض شبان الغرب في مكاسبهم ومعايشهم فيصبحون عالة على الحكومات يرزقون من خزائنها مختارين في عملهم الراحة على السعي والكسل على المضاء والتضييق على الانطلاق والاتكال على الاستقلال فتخرب البلاد بإهمال أبنائها لها ويفتحون بأيديهم أبواب بيوتهم للدخلاء والغرباء وتترك خيرات الأرض لمن يقوم على تعهدها واستثمارها واستنباتها.
ومن طبيعة المرء أن يحب العيش المضمون المريح وليس أحسن من الوظائف في هذا الباب تضمن معاش الإنسان في حياته وبعد مماته فيتدرج في سلسلة المراتب ولاسيما إذا كان على شيء من المعرفة المكتسبة والجربذة والدهاء ومعرفة المدخل والمخرج في نيل رضى رؤسائه بحيث يكون كالآلة في أيدي محركها ولا يطلب من الآلة إلا تنظيم سيرها فإن نطقت هي وسألت عن السبب كان للموظف ولاسيما إذا كان صغيراً أن يسأل عنه. يكفي في مضار التوظيف في الحكومات أنها تسلب الإرادة ومكن سلبت إراداته فنيت نفسه ومن فنيت نفسه كان كالميت لا يتحرك إلا إذا حرك. وأن أمة يرضى أرباب نوابغ الذكاء فيها لأنفسهم أن يكون بلا إرادة ولا شخصية ولا استقلال جديرة بالضعة والمقت والفقر والخمول وإذا حاز النبهاء هذه الصفات السيئة فأولى أن يكون حظ الخاملين أتعس. ولا رجاء لعامة ضعف خاصتها عن تعهد أمرها.
ومن أكبر الدواعي في ترجع عمران البلاد العثمانية والمصرية أنه وقر في النفوس مع الزمن أن من لم يخدم الحكومة لا يعد من الأشراف ولا من أرباب المكانة والرأي والوجاهة. وإن كل مروءة وحكمة وعقل وعلم ورفعة وقف على الموظفين ومن لم يحتك
هذا الخلق من طبيعة الحكم الاستبدادي وكم رأينا بيوتاً خربت لأن أربابها عز عليهم ألا يجاوروا بيوتاً أخرى كانت منافسة لهم في التسابق إلى دواوين الحكومة
إن أقوال المستر روزفلت حرية بأن يجعلها أهل هذه البلاد رائداً بين أيدي أعمالهم ومهمازاً لهم في أقولهم وأفعالهم. إن انصراف وجوه الناس كلهم نحو التوظف قد عطل في بلادنا القوى المعنوية والمادية وغادر القوم كإعجاز نخل خاوية تركوا موارد الثروة الحقيقية وراحوا زرافات يطرقون أبواب الحكومة وما هي بمغنية رعاياها كلهم وهم هم مادة حياتها وبغناها تغنى وبشقائهم تشقى.
لا يتعلم المتعلم منا من أهل الطبقة العالية والمتوسطة والدنيا إلا ليكون ضابطاً أو قائمقاماً أو موظفاً في الأقلام أو من رجال القضاء وقليل جداً من يريدون أن يتعلموا ليستعدوا لإنجاح تجارتهم وزراعتهم وصناعتهم ولاسيما من أهل الإسلام الذين حصروا آمالهم في الحكومة في كل دور من أدوارهم ولذلك قلما رأينا ابن تاجر منا علمه أبوه على الأسلوب الجديد حتى يكون كتجار الإفرنج بتعليمه وتجاربه ويعود عليه القرش قرشين بدل أن يعود قرشه ببارة.
طف مخازن
وإذا وقع لك أن صادفت تاجراً مسلماً فيكون في الأكثر غريباً عن تلك المدينة أو أنه أحوج إلى التعلم في عمله من أصغر تاجر من أولئك التجار أرباب الأموال الطائلة والمعارف الواسعة.
تجول في القرى وافحص المزارع هل تجد لمسلم وطني مزرعة نجحت بسعيه كما نجحت
وابحث عن صناعات البلاد هل تراها كل يوم إلا ترجع القهقرى لأن أربابها جمدوا على ما تعلموه من آبائهم ولم تحدثهم أنفسهم في تقليد الراقين من صناع الأيدي ولأنك
كل هذا نتيجة الكسل والاعتماد على الحكومة في الرزق والبلاد لا ترتقي إلا بالمسلمين في
إن كل ما كان الموظفون يجمعونه من دماء الأمة لم يثمر لهم الثمرة الجنية لأنه مال حرام أتاهم من غير طرقه المشروعة من كد واقتصاد فلم نر ثروة تسلسلت في أعقاب الموظفين إلى جيلين إلا نادراً وكثيراً ما كان يفتقر الموظفون في حياتهم لولا رواتب التقاعد رأيت أعظم الموظفين في السنة التي يضطرون فيها إلى ترك وظائفهم الفارغة أيديهم من مال يعتاشون به ولو كانت مشاهراتهم تعد بعشرات الليرات.
هذا من حيث المال أما عن سلب حرية الموظفين فحدث ما شئت أن تحدث ولولا أن العادة تسهل الأشياء لقضي على أكثر الموظفين في سن الكهولة لكثرة ما يلقون من عنت رؤسائهم وتضييق وجداناتهم وكم من ذكاء ذهب سدى لأن صاحبه لم يستعمله بل حصره في دائرة ضيقة من عمل أصبح له شيئاً معروفاً في بضعة أشهر وقضى عمره وهو يبيض ويسود أو يحاسب في موضوع لا يكاد يتعداه.
إن التوظف عمل من أعمال الناس لا يصح أن يترك وإلا فمن يدير شؤون البلاد ولكن لا يجب التهالك عليه كما نراه يتزايد اليوم بعد اليوم فالأم التي كانت تفرح ابنها فيما غبر
إنا والله مع احترامنا لكل موظف أمين يخدم الأمة بصدق ويقبض راتبه بعرق جبينه لنفضل عليه من يتجر السماد لتعمر به الأرض ومن يخرج الحجارة من المقالع ويعتمد على خالقه وعمله في معاشه على فرد ينسى كل شيءٍ ويتجرد عن كل شيءٍ ليقال عنه أنه موظف.
نزل مصر بعض المتعلمين من السوريين منذ عهد الخديوي إسمعيل وقبله وأخذوا بما فيهم من النشاط والقوة والمعرفة يتولون الوظائف وينافسون فيها المصريين في بلدهم فبقيت أرزاقهم محدودة ولم يخرجوا عن كونهم مستخدمين يصرفون في آخر شهرهم كل ما قبضوه في أوله. ولما صعبت الحكومة المصرية وصول غير المصري إلى تولي الوظائف بالقانون الذي سنته على عهد الوزارة الرياضية حول السوريون وجلهم مسيحيون وجهتهم إلى التجارة والزراعة فمإذا كان من إثر ذلك عليهم؟
كان منه أن أصبحوا يتكلمون على عملهم وكدهم ويبتاعون الأطيان البائرة في القطر المصري فيعمرونها بنشاط ومعرفة ويتجرون بمصنوعات البلاد ومصنوعات أوربا ويتوفرون على تنمية أموالهم بطرق اقتصادية حتى لم يمض عقد أو عقدان من السنين إلا وقد أصبح أبناء سورية النازلون في مصر أغنياء بعد الحاجة موسعاً عليهم غب الضيق يملكون القصور الباذخة ويتمتعون بالعيش الخضال حتى قدر
قال ؟
غوامض التحصيل فإنهم يعترفون بفضيلة التجار ويتمنون حالهم ويحكمون لهم بسلامة الدين وطيب الطعمة ويعلمون أنهم أورع الناس أبداً وأهنأهم عيشاً وآمنهم سرباً لأنهم في أفنيتهم كالملوك على أسرتهم يرغب إليهم أهل الحاجات وينزع إليهم متلمسو البياعات لا تلحقهم الذلة في مكاسبهم ولا تستعبدهم الضرع لمعاملاتهم وليس هكذا من لابس السلطان بنفسه وقاربه بخدمته فإن أولئك لباسهم الذلة وشعارهم الملق وقلوبهم ممن هم لهم خول مملوءة قد لبسها الرعب وألفها الذل وصحبها ترقب الاحتياج فهم مع هذا في تكدير وتنغيص خوفاً من سطوة الرئيس وتنكيل الصاحب وتغيير الدول
إذا كان فراق هذه الدنيا تزداد صعوبته بزيادة إقبال الحظ وسعادة الطالع على المرء فالملك إدوارد السابع أولى الخلق بكراهة الموت وحب البقاء. وإن كان بلوغ الأماني وحصول الرغائب وازعاً عن التشبث بحبال الحياة ومفضياً به إلى القناعة من الدنيا والاكتفاء من لذائذها وحب الرحيل عنها فهذا العاهل الكبير أجدر الناس على الإطلاق بالملل من العمر والازدراء بأطايب الحياة.
وذلك لأنه عاش عمراً مفعماً بالحوادث العظيمة ومملوءاً بكل ما اشتهته نفس وطاب به قلبه وتمتع بجميع ما تتطلبه الأميال البشرية وتهنأ به النفوس. فقد كان قبل أن ارتقى إلى العرش البريطاني في
درس العلوم العالية في جامعة كامبريدج وجامعة أكسفورد ونال منهما رتبة دكتور في
أقضى إليه صولجان الملك بعد وفاة والدته فطرح اللهو جانباً وانتقل من دور التأهب إلى دور العمل وقد كان عندئذ الاضطراب سائداً والارتباك مستولياً في دوائر إنكلترا السياسية بسبب الحروب الناشئة في جنوبي أفريقية مع الترانسفال وإن كان النصر قد انبلج للإنكليز وتوثفوا من استيساق الأمر في تلك الناحية فعمد إلى سياسة اللين والرفق وغير خطة العنف التي كانت تنويها حكومته مع ذلك الشعب فأباح لهم الأمن والاستقرار في منازلهم ووزع عليهم الأرزاق والحقوق حتى أخلدوا إلى السكينة والهدوء ورتبت الشؤون في بلاد الراس على أسلوب مهد لإنكلترا ثبوت القدم على نصف قارة أفريقية من جهة الجنوب وإقامة دولة إنكليزية في تلك الأقاليم تضارع دولتها في الهند.
ثم فكر بوسيلة للاطمئنان من جهة هذه الدولة الضخمة وإيصالها من منابع النيل إلى مصبه وما زال يدبر ويمهد حتى وفق إلى عقد الاتفاق الودي مع فرنسا وأطلق يد إنكلترا في وادي النيل فأصبح البأس الإنكليزي مشتملاً على القسم الأعظم من قارة أفريقية من الإسكندرية إلى رأس الرجاء الصالح.
وهذا الاتفاق الذي
في أيامه شذبت اليابان قتادة الروس في الشرق الأقصى، وكفكفوا غائلهم إلى الوراء في منشوريا وبلغت السياسة الإنكليزية في ذلك أوجها الأعلى بانكسار شوكة روسيا والطمأنينة من تعاظمها وتعاليها في الشرق فأمنت الهند منها وتحققت أن هذا القلق
وفوز الساسة الإنكليزية في الشرق أقنع أوربا قاطبة أن إنكلترا هي صاحبة الكعب الأعلى والمقام الأول وهي الخصم الذي لا ينازع والقرن الذي لا يدافع فتزلفوا إليها بالمودة وتلطفوا بخطبة مودتها والتقرب منها حتى أن روسيا التي تحملت الضربة الكبرى اغتفرت لها الذنب وتناست ما للإنكليز من تعزيز شأن اليابان ومعاضدتهم في تلك الحرب ومالت
ومن غرائب الاتفاق في السنوات ال
فهو أول ملك إنكليزي زار قياصرة الروس في عاصمتهم وأول من انتزع سخائم البغض والعداوة الراسخة بين الإنكليز والفرنسيس. وقد تعاصى عليه استجلاب ابن أخته إمبراطور ألمانيا باللين والصداقة فألب عليه جيرانه وكاد يخرج إيطاليا من المحالفة الثلاثية يفرد الدولة الألمانية وحدها بين الممالك الأوربية.
أما علاقة الملك إدوارد بدولتنا وسلطاننا فقد كانت في دور الاستبداد أقرب إلى العداء منها إلى الصداقة وقد صرح مراراً في مفاوضاته السياسية أنه يتمنى الخير للدولة العلية غير أنه بائس من إصلاحها ويحسبها عضواً فاسداً في العالم المتمدن لم يكن نصيراً للدولة الحميدية في نكباتها ولا أعانها في ويلاتها الكثيرة بل ربما شد في بعض مآزقها ومهد السبيل إلى ندور بعض الولايات عنها فكانت له اليد الطولى في استقلال كريت ورغب في إخراج مكدونيا من الوحدة العثمانية متبعاً بذلك سياسة غلادستون الذي كان الحزم بتقسيم
ثم لما تبين الرشد من الغي وانتصر الحق على الباطل بظهور الأحرار على الأشرار وإعلان الدستور في البلاد العثمانية كان الملك إدوارد أشد الأجانب فرحاً بهذا الانقلاب وأكثرهم مظاهرة لحكومتنا الجديدة الحرة فوقف في وجه ألمانيا وعرقل دسائسها في البلقان
هذه أهم الأعمال السياسية التي قام بها الملك إدوارد السابع مدة ملكه القصيرة وجميعها عائدة على أمته بالخير والنجاح وعلى العالم بالفضل والصلاح حتى لقبه الأوربيون بصانع السلام واعترفوا أنه رئيس السلم والداعي إلى الوئام والوفاق وحامي الحرية والعدل ينضوي تحت رايته نحو
لا يجادل
ولد ابنه الملك جورج في
كل من طالع كتاب الأغاني وبعض كتب الأدب القديمة التي تذكر بالغناء وأنواعه وآلات الطرب وملاهيه يقع على ألفاظ علمية اصطلاحية إذ نقر عنها في دواوينه اللغة ومعاجمها المطولة لا يرجع عنها إلا ما رجع بها حنين. ولقد حاول المستشرقون غير مرة البحث عنها في الكتب الأدبية التي ألفت في الصدور في الصدر الأول من زهو اللغة فلم يعثروا على ضالتهم كما لم يعثر عليها أدباء الشرق وعلماؤه. وقد وفق العاجز في هذه الآونة إلى وجود الضالة نبهاً في كتاب مخطوط كنت قد وصفته في
كثيراً ما كنت أطالع في كتاب الأغاني ألفاظاً في مصطلح الغناء وما كنت أتوصل إلى فهمها حتى ظفرت أخيراً برسالة لعبد القادر بن غيبي الحافظ المراغي المشهور بعلم الألحان فأخذت عنه ما يتعلق بفتح مغلق الكلام الخاص بهذا العلم فأقول:
اعلم أن الألفاظ الواردة في كتاب الأغاني تتعلق كلها بالعود العربي فإذا علمت أن تركيب هذه الآلة هان عليك فهم ما أشكل عليك من مصطلحها فهذه الآلة طولها مثل عرضها مرة ونصفاً وغورها كنصف عرضها وعنقها كربع طولها في الراحة وثخن الورقة من خشب خفيف ووجهاً أصلب وتمد عليه
يجب أن يكون البم أربعاً و
فالزير كعنصر النار في الطبع والتأثير. والمثنى كالهواء والمثلث كالماء والبم كالتراب. فانطبق على الأخلاط والأمزجة أفراداً وتركيباً. ويقوى ما يكون على الأخلاط من سجايا وأمراض وأمكنة وأزمنة حتى قيل أن لطف النار مثل لطف الهواء مرة وثلثاً. وهكذا الهواء بالنسبة الماء والماء إلى التراب كما مر في الأوتار وأما وضعهم هذه الأوتار حتى جعلوها
ثم قوانين الغناء لا تخرج عن
تنَّ تنَّ تنَّ. تنَّ تنَّ تنَّ
وهو مركب من وثقيل ثان
وهذا رسمه:
تنَّ تنَّ تنَّ. تنَّ تنَّ تنْ
وهو مركب من وخفيف الثقيل الثاني
ويسمى:
وهو مركب من ورمل
ويسمى ثقيل الرمل وهذا رسمه:
تنَّ تنْ تنْ. تنَّ تنْ تنْ
وهو مركب من وخفيفه
وهذا رسمه:
تنْ تنْ. تنْ تنْ. تنْ تنْ. تنْ تنْ
وهو مركب من
تنْ تنْ تنْ. تنْ تنْ تنْ
وهو مركب من نقرتين بينهما سكون قدر واحدة وهزج
ورسمه:
تنْ تنْ تنْ تنْ. تنْ تنْ تنْ تنْ
وهو مركب من نقرة كالسكون ثم سكون قدر نقرة ثم بين كل
فالمسلي
بالتشديد نسبة إلى المسلة من آلات الخياطة وتسمى هذه وما بعدها الأجناس المركبة
وهي كثيرة ولكن تعود أصول منها على التاسع
وثانيها المائل وهو عكسه هيئة ودلالة.
وثالثها الموجيُّ وهو المختلف الأجزاء تدريجاً بحيث يكون الأعظم الخنصر ويظهر اختلافه عرضاً ينشبه الأمواج ومنه اسمه وهو يدل على فرط الرطوبة والاستقاء الزقي واللحمي وذات الرئة وغلبة الأمراض البلغمية.
ورابعها النمليّ سمي بذلك لدقته وضعف حركته ويقع في رابع الحارة فيدل على الموت في الخامس وبعد الموضع في وجود الحمي فيدل على الموت في الحادي
وخامسها الدودي وهو موجيّ ضعفت حركته بإسهال إن طال. وإلا فالمجفف من داخل كأخذ نحو الأفيون وما يكثف المزاج إلى فساد الرطوبات وقد يقع في البحارين لنقص الرطوبات ويكون ابتدؤه عند الموجي كما في النبضة.
وسادسها المنشاري وهو ما اختلف أجزاؤه تواتراً وسرعة وصلابته عكسها وكان قرعه للأصابع متفاوت التساوي كأسنان المنشار يدل على فرط اليبس ويختص بذات الجنب والدبيلات والأورام.
وسابعها المرتعش ويدل على الرعشة ونحوه من أمراض العصب بحسب مواقع أجزائه كما مر.
وثامنها المتشنج ودلالته كالمنشاري مطلقاً في غير ما اختص أي ذات الجنب به.
هذا واعلم أن اللحن يسمى مطلقاً إذا لم يكن مقيداً بلفظة تدل على وصفه كالثقيل والخفيف وخفيف الخفيف. ويذكر بعد اللحن موقع الإصبع الذي يبتدأ به ليهتدي إلى قراره فيقال مثلاً ثاني ثقيل مطلق أو ثاني بالوسطى أو بالخنصر في مجرى البنصر أو خفيف رمل بالبنصر أو خفيف ثقيل أول بالبنصر إلى غير ذلك وهو المعروف عند اصحاب هذا الفن بمواقع الأصابع في الدساتين. والله الموفق. اهـ نقله بحرفه.
في
قال ابن بسام: وحضرة اشبيلية على قدم الدهر كانت قاعدة هذا الجانب الغربي من الجزيرة وقرارة الريامة ؟
ومركز الدول المتداولة ومنها شهدت البلاد وأبتت الجهاد عليها الفرسان كأنها العقبان وبهذا الأفق نزل جند حمص من المشرق وسميت حمص ولما كانت دار الأعزة والأكابر نابت فيها الخواطر وصارت مجمعاً لصوب العقول ودرب العلوم وميداني فرسان المنثور والمنظوم ولاسيما من أول ال
فاشتمل هذا القطر الغربي لأول تلك المدة على بيتي حسب وجمهور في أدب مملكتان من لخم وتجيب حصرتا بلاده وأكثرتا رواده فأتاه العلم من كل فجِّ عميق وتبادره العلماء من بين ساق ومسبوق وكل ما نشأ من هذين البيتين أمير وأن إلى العلم أطلب وفي أهله ازغب والسلطان سوق يجلب إليه ما ينفق لديه حتى اجتمع في الجانب الغربي على ضيق أكنافه وتحيف الحذر قصه الله لأطرافه ما باهى الأقاليم العراقية وأنسى بلغاء الدولة الديلمية فقل ما رأيت فيه شايراً غير ماهر ولا شاعراً غير قاهر دعوا حر الكلام فلبى وأرادوه فما تأبى
وهنا أورد ابن بسام ترجمة القاضي أبي القاسم محمد بن عباد ثم أورد ترجمة المعتضد بالله عباد بن ذي الوزارتين القاضي أبي القاسم محمد بن عباد قال فيه:
ثم أفضى الأمر إلى عباد ابنه سنة ؟
لا تأمنه الكماة متأسف اهتدى ومنبت قطع فما أبقى ثأر والناس حرب وكل شيءٍ عليه ألب فكفى أقرانهم وهم غير و
وقد أطال في ترجمته وما وقع عليه من المحنة وما قاله وقيل فيه من الأشعار ثم أورد باباً يشتمل على طائفة من الوزراء والأعيان ممن كان في دولة المعتضد من أرباب هذا الشأن واجتلاب ملح وطرف لشعراء كانوا بذلك الأوان مع ما يتعلق بها ويذكر بسببها فترجم أبا حفص عمر بن حسن الهوزني. وأبا الوليد الباجي وأبا عمر بن مسلمة وأبا الوليد إسماعيل بن محمد الملقب بحبيب وأبا الحسن علي بن حصن الاشبيلي وأبا عمرو بن الباجي وأتى ؟
حتى انصرفت وجوه آمالهم إلى أمير المسلمين وناصر الدين أبي يعقوب يوسف بن تاشفين رحمه الله فسفر ذو الوزارتين بينهما تكراراً فكثر صوابه اشتهر في ذات الله مجيئه وذهابه واضطر المعتمد إليه قريباً من آخر دولته فعظمت حاله وا
ثم ترجم الوزير الفقيه الكاتب أبا القاسم محمد بن عبد الله بن الجد والوزير الكاتب أبا محمد عبد الغفور وذا الوزارتين أبا بكر محمد بن عمار والوزير الكاتب أبا الوليد بن المصيصي والوزير الأديب أبا القاسم بن مزرقان والوزير الكاتب أبا الحسين بن محمد ابن الجد
ثم أورد فصلاً يشتمل على ذكر الكتاب والوزراء والأعيان والأدباء الشعراء ممن نشأ في الدولة المؤرخة بحضرة بطليموس وسائر بلاد المحيط الرومي والأندلس وذكر منهم المظفر أبا بكر محمد بن عبد الله بن مسامة المعروف بابن الأفطس والوزير الكاتب أبا عبد الله محمد بن أيمن والوزير الكاتب أبا محمد بن عبدون والأديب أبا جعفر محمد عبد الله بن هررة القيسي الأعمى القسطيلي والوزير الكاتب أبا بكر عبد العزيز بن سعيد البطليموسي والوزير الكاتب أبا بكر بن قومان والأديب أبا زيد بن عبد الرحمن بتن مقانا الأشبوني والشيخ أبا الحسن علي بن إسماعيل القوشي الأشبولي والأديب أبا عبد الله محمد بن الفيق وذا الوزارتين أبا محمد بن هود والشيخ الأديب ابن عمر بن فتح بن زلوحنة والأديب أبا عمر يوسف بن كوثر الشرتيني والأديب أبا الوليد المعروف بالنحلي والوزير الكاتب أبا بكر محمد بن سوار الأشبوني والأديب أبا محمد عبد الله بن صارة الشنتريني.
وهذا الجزء في
ثم ذكر الكاتب أبا عبد الله محمد بن أبي الخصال والوزير أبا محمد بن القاسم والأديب أبا تمام غالب الملقب بالحجام وهنا انتهى الجزء الثالث وهو في
فيا حبذا لو تصدى لطبعه
أهدانا هذا الشاعر المصري الجزئين الأولين من ديوانه وفيهما قصائد في أغراض شتى وبعضها اجتماعي وهاك نموذجاً من شعره قال في الشرق ومصر:
وقال من قصيدة:
إلى أن قال:
من أهم الجمعيات العلمية في أميركا الشمالية هذه الجمعية التي جعلت مقرها في واشنطون وأمامنا الآن تقريرها السنوي عن سنة
هذا التقرير من أكبر التقارير السالف حجماً وأغزر مادة ويبدو عليه النمو الغريب وتتبين منه ارتقاء هذه الجمعية الراقية ومباحثه تدور كطريدة على العلوم المادية والطبيعية فمن مقالاته الموقعة بتواقيع أهل هذا الشأن مقالة في المناطيد الحربية وأخرى في التلغراف اللاسلكي وفي التصوير الشمسي والحاكي الفونوغراف
والمادة والأثير وارتقاء الكيمياء العامة والطبيعة في ال
قليل في كتابنا من خلصوا من ربقة التقليد وقليل فيهم من يكتب ليفيد. وأمين أفندي الريحاني صاحب كتاب الريحانيات هو من أمثل كتابنا وشعرائنا نجا من التقليد ووقف نفسه على نشر ما يفيد واشتهر بأنه العربي الذي فاق الإنكليز في البيان الإنكليزي فيكتب وينظم كأفضل أدبائهم ومصنفه رباعيات أبي العلاء الذي ترجمه شعراً إلى الإنكليزية ومقالاته في المجالات الأميركية والإنكليزية أدل دليل على تبريزه ولكنه على هذه المزية الممدوحة في منافسة أفاضل الإنكليز لم تفته منافسة كتاب العربية فكتب ونشر عدة أبحاث ومقالات في الجرائد العربية في أميركا ومصر و
صدر كتابه بشذرة من خطه جاء فيها وهو ما ينم عن الغرض من نشر الكتاب جرد نفسك ولو بضع ساعات من أطمار الأجيال وتعال نحج معاً. ومتى وصلت إلى كع بة الحقيقة وأنت في مئزر الحج تجد هناك أثوابك الموروثة وأثواباً أخرى جديدة إلى جانبها فأما أنك تعود إلى ما كنت عليه فتلبس ما ألفته وتسير في سبيلك وإما أن تعتاض عنه بثوب ليس بفخيم ولكن من الرقع والفتوق سليم. وفي كل حال لا أنسى أنك أكلت من جفنتي وشربت من أبريقي ونمت في خيمتي. . . . .
في الكتاب عدة مقالات أكثرها ما كتبه تحت سماء أميركا فرشحت الكتابة من
والكتاب تتدفق حرية الفكر من أطرافه ورقة الإحساس من سطوره وبعد النظر في مراميه وكله معان فلسفية في قوالب عصرية وروح شفافة في شعور جديد وقد قرأنا مرات بعض المقالات ونحن الآن نحب أن نعيد تلاوتها إذا قل في أرباب الأقلام مثل هذا النفس في إصلاح الأفكار والتلطف في إبلاغ العقول الجامدة محاسن الحضارة المدهشة والتجديد المفيد.
وما أحلى قول الكاتب من مقالة في جسر بروكلين وهو جسر نويورك يخاطب تمثال الحرية قائلاً: متى يا ترى تصير الحرية مثل هذا القمر فتوقد مصباحها لا في الغرب فقط بل في الشرق وفي الجنوب وفي الشمال — في العالم بأسره. متى تحولين وجهك نحو الشرق أيتها الحرية؟ متى يمتزج نورك بنور هذا البدر الباهر فيدور معه حول الأرض ويضيء ظلمات كل شعب مظلوم؟ أيتأتى أن يرى المستقبل تمثالاً للحرية بجانب الأهرام؟ أيمكن أن نرى لك في بحر الروم مثيلاً؟ أيمكن أن يولد لك أخوات في الدردنيل وفي بحر الهند وفي خليج الصين؟ ايتها الحرية متى تدورين مع البدر لتنيري ظلمات الشعوب المقيدة والأمم المستعبدة
وأنت أيتها البواخر المقلة إلى أوربا ومصر وعدن والهند منسوجات نواكلند وقطن فرجينا وحديد بنسلفانيا وقمح تكساس وخشب فرمنت خذي معك إلى بحر الروم وبحر الهند والبحر المتوسط بعض موجات من هذه الأمواج التي تغسل أبداً تمثال الحرية. خذي معك ولو زجاجة صغير من الماء المقدس.
احملي سلام هذه الآلهة التي تنير الآن طريقك في الخروج من العالم الجديد وتوكل بها مالها في السماء من شقيقات باهرات. احملي إلى الشرق شيئاً من نشاط الغرب وعودي إلى الغرب بشيء من تقاعد الشرق. احملي إلى الهند بالة من حكمة الأميركان العملية وعودي إلى نويرك ببضعة أكياس من بذور الفلسفة الهندية اقذفي على مصر وسورية بفيض من
وقد شاهدت الآن
أما المناظر ال
فإذا كنت أيها القارئ شاعراً أو مصوراً أو كاتباً بل لو كنت صباغاً أو دباغاً أو إسكافاً وجه نظرك إلى الطبيعة أولاً تستمد منها الإلهام الإلهي وعنها تقتبس الألوان البديعة والمناظر الجميلة والأشكال الأنيقة والنفحات السماوية وعرج على باريز ثانياً تتعلم فيها دقة الصناعة ولطافة الأسلوب وجمال الفنون وغرابة الإبداع وسر الابتكار وانزل على
والكاتب ليس من الملاحدة كما يتهمه أعداؤه بل هو ملحد بأكثر ما يتخرص به المتخرصون من الشروح على المنون ومن قرأ مقالته في فلتر الفيلسوف الفرنسوي يتجلي له من أي
الإلحاد مضر بالصحة فهو لا شك ينفخ الصدر ولكنه يضعف القلب ويصغر الرئتين. أقول هذا عن اختبار ولا أقول أكثر من ذلك ليعلم القارئ فكره. إذاً الإلحاد مضر بالصحة ومهما قلتم لا أوضح. اختبروا لأنفسكم إن شئتم ولكن إياكم والتطوح وإذا كنتم لا تعرفون الحدود فالأجدر بكم ألا تجربوا لئلا تتملك فيكم جراثيم المرض وإذا كانت معدتكم ضعيفة فإياكم فلتر.
وبعد أن أفاض في مزايا هذا الفيلسوف ومآتيه ومنازعه وآخذه على روايته التعصب التي طعن فيها على الإسلام وأهداها إلى البابا فقبلها هذا بكل سرور وبعث إلى فلتر كتاباً لطيفاً أثنى فيه على غيرته بخ بخ
وانتقد بعض أبيات الرواية الشعرية فأجابه فلتر متجاملاً على عادته في مثل هذه الأمور أنك لا شك معصوم عن الغلط في المسائل الأدبية أيضاً زه ثم زه
هكذا تبادل ال
وهذه النموذجات كافية في بيان فضل هذا التأليف النفيس ومنزلة أبي عذره من سلامة الفطرة وبعد الغور والنظر فله منا الشكر على ما أتحف به عالم الآداب من هذا السفر الجديد في وضعه وطبعه.